لماذا خلقنا الله عز وجل؟ الأمانة التي جعلتنا خلفاء في الأرض

محور الحيث
المؤلف محور الحيث
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

المقدمة

لماذا خلقنا الله؟ سؤال وجودي يطرحه البشر منذ فجر التاريخ. الإجابة الشائعة هي أن الله خلقنا لعبادته، لكن هذه الإجابة، وإن كانت صحيحة، ليست كاملة. الله غني عن عبادتنا، فلماذا خلقنا إذن؟ وما هي الأمانة التي حملها الإنسان ولم تحملها الجبال ولا أي مخلوق آخر؟ ولماذا يكره إبليس البشر؟ هذه الأسئلة الثلاثة، إذا فهمنا إجاباتها بشكل صحيح، ستكشف لنا الهدف الحقيقي من خلقنا ووجودنا في هذه الحياة. في هذه القصة، سنأخذك في رحلة نستكشف فيها هذه الأسئلة العميقة، ونكشف عن حقائق قد تكون مخفية عن عيونك. استعد، وجهز مشروبك المفضل، وكن مستعدًا للتركيز، لأن هذه الرحلة ستغيرك من الداخل.

البداية: خلق الملائكة وإبليس

قبل خلق الإنسان، كانت هناك مخلوقات أخرى تسكن السماء، وهي الملائكة. خلق الله الملائكة من نور، وجعل مهمتهم الوحيدة هي عبادته. الملائكة مخلوقات مسيرة، أي أنهم لا يملكون إرادة أو اختيارًا، بل يعبدون الله بشكل تلقائي ودائم. حاول أن تغلق أنفك بيدك وتمنع الهواء من الدخول، ستجد أنك لا تستطيع، لأن عقلك سيجبرك على إزالة يدك لاستنشاق الهواء. هكذا هي طبيعة الملائكة، لا يستطيعون التوقف عن عبادة الله.

بين هذه المخلوقات، كان هناك كائن واحد مختلف: إبليس. خلق الله إبليس من نار، وكان من الجن. على عكس الملائكة، كان لإبليس حق الاختيار. اختار أن يعبد الله، لكنه لم يكن مخلوقًا مسيرًا مثل الملائكة. كان يعيش في السماء بين الملائكة، ويعبد الله باختياره.



خلق آدم: القرار الإلهي العظيم

في يوم من الأيام، أعلن الله قرارًا عظيمًا لأهل السماء: "إني جاعل في الأرض خليفة". هذا القرار كان مفاجئًا للجميع. الله قرر أن يخلق مخلوقًا جديدًا، وهو الإنسان، ليكون خليفته في الأرض. لكن ما معنى كلمة "خليفة"؟ الخليفة هو من يقوم بمهام من أوكله إليه. مثلاً، إذا قال لك أبوك: "أنا مسافر، وأريدك أن تكون خليفتي في البيت"، فهو يريدك أن تقوم بمهامه كما لو كان موجودًا. هكذا كان دور آدم، أن يكون خليفة الله في الأرض.

خلق الله آدم من طين، ونفخ فيه من روحه. هذه النفخة جعلت آدم مخلوقًا مميزًا، لأنها كانت تلامسًا مباشرًا بين الذات الإلهية والإنسان. الله خلق كل شيء بقوله "كن فيكون"، إلا آدم، الذي خلقه بيديه. هذا التكريم جعل آدم في مكانة عالية جدًا، أعلى من الملائكة وإبليس.



إبليس والحسد: رفض السجود لآدم




عندما خلق الله آدم، أمر الملائكة وإبليس بالسجود له. السجود هنا كان تكريمًا لآدم، وليس عبادة، لأن العبادة لا تكون إلا لله. الملائكة سجدوا فورًا، لكن إبليس رفض. قال: "أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين". إبليس ظن أنه أحق بأن يكون خليفة الله في الأرض، لأنه مخلوق من نار، بينما آدم مخلوق من طين. هذا الحسد والكبرياء جعلاه يعصي أمر الله.

عاقب الله إبليس بالطرد من رحمته، وأصبح شقيًا. لكن إبليس لم ييأس، بل قرر أن يحارب آدم وذريته، وأن يجعلهم يدخلون النار مثله. وهنا بدأت العداوة بين إبليس والبشر.



الأمانة التي حملها الإنسان

بعد خلق آدم، وضعه الله في الجنة لفترة، ثم أنزله إلى الأرض ليكون خليفته. مع هذا التكليف، حمل آدم أمانة عظيمة، وهي أمانة الاختيار. الإنسان هو المخلوق الوحيد الذي أعطاه الله حرية الاختيار بين الطاعة والمعصية. الملائكة مخلوقات مسيرة، لا تستطيع العصيان، بينما الإنسان لديه الإرادة لاختيار طريق الخير أو الشر.

هذه الأمانة جعلت الإنسان مخلوقًا مميزًا، لأنها تعني أن الله وثق به ليتحمل مسؤولية اختياراته. الإنسان ليس مجرد عبد مأمور، بل هو خليفة الله في الأرض، مسؤول عن عمارتها وإقامة العدل فيها.


لماذا يكره إبليس البشر؟

يكره إبليس البشر لأنهم سبب طرده من رحمة الله. كان إبليس يعبد الله في السماء، لكنه رفض أن يسجد لآدم، لأن الحسد والكبرياء سيطرا على قلبه. عندما طرده الله، أقسم أن يغوي البشر ويجعلهم يعصون الله، حتى يدخلون النار مثله. إبليس يعتبر البشر منافسين له، لأنهم المخلوقات التي حصلت على مكانة أعلى منه عند الله.




الهدف الحقيقي من خلقنا

إذا جمعنا كل هذه العناصر، نستطيع أن نصل إلى الهدف الحقيقي من خلقنا. الله خلقنا لنعبده، لكن العبادة هنا ليست مجرد طقوس، بل هي علاقة حب بين الخالق والمخلوق. الله يحبنا، وأعطانا مكانة عالية، وجعلنا خلفاءه في الأرض. العبادة هي أعلى درجات الحب، لأنها تعني أننا نعبد الله لا خوفًا من النار ولا طمعًا في الجنة، بل لأننا نحبه.

الله سخر لنا كل المخلوقات، من الحيوانات إلى الملائكة، وجعل حياتنا مليئة بالفرص لنعبده ونقترب منه. حتى إبليس، الذي يكرهنا، أصبح وسيلة لاختبار إيماننا وقوة اختيارنا. عندما نعيش حياتنا بهذا الفهم، نستطيع أن نعبد الله بقلوب مليئة بالحب والامتنان.




الجزء الثاني: الإنسان بين التكريم والمسؤولية

ا

التكريم الإلهي للإنسان

خلق الله آدم بيديه، ونفخ فيه من روحه، وسجد له الملائكة. هذه الأفعال ليست عشوائية، بل هي علامات على التكريم الإلهي للإنسان. الله لم يخلقنا عبثًا، بل أعطانا مكانة خاصة بين مخلوقاته. نحن لسنا مجرد كائنات عابرة، بل نحن خلفاء الله في الأرض، مسؤولون عن عمارتها وإقامة العدل فيها.

هذا التكريم يجعلنا ندرك أن حياتنا لها معنى وقيمة. كل فعل نقوم به، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا، يمكن أن يكون جزءًا من مهمتنا كخلفاء لله. عندما نعمل بصدق، أو نساعد الآخرين، أو نحافظ على البيئة، فإننا نعبد الله من خلال هذه الأفعال.



الأمانة والاختيار: بين الحرية والمسؤولية

الأمانة التي حملها الإنسان هي أمانة الاختيار. الله أعطانا حرية الاختيار بين الخير والشر، بين الطاعة والمعصية. هذه الحرية هي نعمة عظيمة، لكنها أيضًا مسؤولية كبيرة. نحن مسؤولون عن اختياراتنا، وعن العواقب التي تترتب عليها.

الملائكة، على سبيل المثال، لا يملكون هذه الحرية. هم مخلوقات مسيرة، لا يستطيعون العصيان. لكن الإنسان لديه القدرة على الاختيار، وهذا ما يجعلنا مميزين. عندما نختار الخير، نكون قد حققنا الهدف من خلقنا. وعندما نختار الشر، نكون قد خذلنا الأمانة التي حملناها.



إبليس: العدو الذي يختبر إيماننا

إبليس ليس مجرد عدو للإنسان، بل هو أيضًا اختبار لإيماننا وقوة إرادتنا. الله سمح لوجود إبليس ليكون اختبارًا لنا. هل سنطيع الله أم نتبع وساوس الشيطان؟ هذا الاختبار يجعل حياتنا مليئة بالتحديات، لكنه أيضًا يجعلها مليئة بالفرص لنثبت إيماننا ونقربنا من الله.

إبليس يحاول دائمًا أن يغوينا، لكنه لا يستطيع إجبارنا على فعل الشر. القرار النهائي هو لنا. عندما نعرف أن إبليس يحاربنا، نستطيع أن نكون أكثر حذرًا ونعتمد على الله لنتغلب على وساوسه.



الجزء الثالث: كيف نعيش حياتنا وفقًا لهذا الفهم؟

1. عبادة الله بحب

العبادة ليست مجرد طقوس، بل هي علاقة حب بيننا وبين الله. عندما نعبد الله بحب، نكون قد فهمنا الهدف الحقيقي من خلقنا. العبادة تشمل الصلاة، الصيام، الزكاة، وأي فعل نقوم به لرضا الله. حتى الأفعال البسيطة مثل الأكل والشرب يمكن أن تكون عبادة إذا قمنا بها بنية صالحة.

2. تحمل المسؤولية

كخلفاء لله في الأرض، نحن مسؤولون عن عمارتها وإقامة العدل. هذا يعني أننا يجب أن نعمل بجد، وأن نساعد الآخرين، وأن نحافظ على البيئة. كل فعل نقوم به يمكن أن يكون جزءًا من مهمتنا كخلفاء لله.

3. مقاومة وساوس الشيطان

إبليس يحاول دائمًا أن يغوينا، لكننا نستطيع أن نقاوم وساوسه بالاعتماد على الله. الصلاة، الاستغفار، وقراءة القرآن هي أدوات قوية تساعدنا على مقاومة الشيطان.



خلقنا الله لنكون خلفاءه في الأرض، وحملنا أمانة الاختيار. هذه الأمانة تجعلنا مخلوقات مميزة، قادرة على تحقيق الخير والعدل في العالم. إبليس يكرهنا لأننا حصلنا على مكانة لم يحصل عليها، لكننا نستطيع أن نتغلب على كيده باختيارنا طريق الطاعة والحب لله.

عندما نعيش حياتنا بهذا الفهم، نستطيع أن نجد الهدف الحقيقي من وجودنا، وهو أن نعبد الله بحب، ونعمر الأرض بالخير والعدل. هذه هي القصة الحقيقية لوجودنا، وهذه هي الرسالة التي يجب أن نعيشها كل يوم.





تعليقات

عدد التعليقات : 0