من كنعان إلى القدس: رحلة أرض لا تهدأ

محور الحيث
المؤلف محور الحيث
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

في التاسع من نوفمبر عام 1917، دخلت القوات البريطانية فلسطين لأول مرة منذ تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي. هذا الحدث أثار موجة من الفرح والاحتفالات في الغرب، حيث اعتُبرت هذه الخطوة انتصارًا تاريخيًا بعد قرون من المحاولات للسيطرة على هذه الأرض المقدسة. وقف أحد القادة البريطانيين عند قبر صلاح الدين الأيوبي، وقال له بلهجة مليئة بالزهو: "استيقظ يا صلاح الدين، لقد عدنا". هذه الكلمات كانت تعكس شعورًا بالانتصار، لكنها أيضًا كانت تذكيرًا بأن الصراع على هذه الأرض ليس جديدًا، بل هو جزء من تاريخ طويل من الحروب والمعارك.


فلسطين، هذه الأرض التي تحمل اسمًا غير عربي في الأصل، كانت دائمًا محورًا للصراعات. لو بحثت في القاموس العربي عن كلمة "فلسطين"، فلن تجدها، لأنها كلمة ذات أصول غير عربية. لكن سكان هذه الأرض، منذ القدم، كانوا عربًا. فما هي قصة هذه الأرض؟ ولماذا كانت دائمًا مسرحًا للصراعات؟ ولماذا يحرص اليهود على هذه الأرض ويسمونها "أرض الميعاد"؟ وما علاقة هيكل سليمان بالمسجد الأقصى؟ ومتى بُني المسجد الأقصى؟ هل بُني في العهد الإسلامي؟ وهل صحيح أن الجن والملائكة شاركوا في بنائه؟ هذه التساؤلات تثير فضول الكثيرين، وسنحاول الإجابة عليها في هذه السلسلة.

في الحلقة الأولى من سلسلة "صفحة مفقودة"، سنتناول حقائق تاريخية قد تكون غائبة عن الكثيرين، لكنها مرتبطة بأحداث تجري في عصرنا الحالي، مثل ما يحدث في فلسطين اليوم. قبل أن نتعمق في القصة، لا بد من فهم بعض الأساسيات. جميع الأنبياء والرسل جاءوا بدين واحد، وهو الإسلام. الله سبحانه وتعالى قال: "إن الدين عند الله الإسلام". المسميات التي نسمعها اليوم، مثل اليهودية والنصرانية، هي نتاج تحريف البشر لدين الله. الله ذكر في القرآن: "ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا، ولكن كان حنيفًا مسلمًا".

كان بنو إسرائيل في بداية أمرهم مسلمين موحدين، لكنهم انحرفوا عن دين الله وارتكبوا المعاصي، حتى غضب الله عليهم ولعنهم. ومن هنا بدأت قصة الصراع على الأرض المقدسة. عندما دخل بنو إسرائيل فلسطين بقيادة موسى عليه السلام، عصوا أوامر الله وكفروا، مما أدى إلى تيههم في الصحراء لمدة 40 عامًا. بعد ذلك، دخلوا الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون، لكنهم عادوا للعصيان والشرك، مما أدى إلى سقوطهم تحت حكم أعدائهم.

في عهد النبي سليمان عليه السلام، تم بناء المسجد الأقصى، لكن بعد وفاته، عاد بنو إسرائيل للانحراف وتحريف الدين، حتى سلط الله عليهم الغزاة الذين دمروا هيكلهم وشتتوهم في الأرض. ومنذ ذلك الحين، أصبحت فلسطين مسرحًا للصراعات بين الأمم.

في العهد الإسلامي، حرر الخليفة عمر بن الخطاب المسجد الأقصى، وأعاد بناءه، لكن الصراعات استمرت. في عام 1917، احتلت بريطانيا فلسطين، ومنذ ذلك الحين، مازال المسجد الأقصى وفلسطين تحت الاحتلال. هذه الأرض، التي شهدت صراعات طويلة، تبقى رمزًا للإيمان والصراع بين الحق والباطل.


فلسطين، أو "أرض كنعان" كما كانت تُعرف في القدم، هي أرض ذات تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين. منذ القدم، كانت هذه الأرض محط أنظار الأمم والشعوب بسبب موقعها الاستراتيجي وبركتها الروحية. في العهد القديم، وُصفت بأنها "الأرض الموعودة" لبني إسرائيل، لكنها أيضًا كانت موطنًا للكنعانيين، الذين سكنوها قبل قدوم بني إسرائيل بقرون طويلة.

الكنعانيون: أول سكان فلسطين

الكنعانيون، وهم من أصول عربية، كانوا أول من سكن هذه الأرض. وفقًا للروايات التاريخية، كان كنعان بن عمليق، وهو من نسل النبي نوح عليه السلام، أول من استوطن هذه المنطقة مع أسرته. ومن هنا جاءت تسمية "أرض كنعان". كان الكنعانيون شعبًا قويًا ومتحضرًا، بنوا مدنًا عظيمة وعبدوا الله في البداية، لكنهم مع مرور الوقت انحرفوا ووقعوا في الشرك.

بني إسرائيل والصراع على الأرض

عندما جاء بنو إسرائيل إلى فلسطين بقيادة النبي موسى عليه السلام، كانت الأرض تحت سيطرة الكنعانيين. بعد وفاة موسى، قاد يوشع بن نون بني إسرائيل لاحتلال الأرض، لكنهم لم يتمكنوا من طرد الكنعانيين تمامًا. ومع مرور الوقت، عاد بنو إسرائيل للانحراف عن دين الله، مما أدى إلى سقوطهم تحت حكم أعدائهم مرارًا وتكرارًا.

في عهد النبي داود عليه السلام، تم توحيد بني إسرائيل وبناء مملكة قوية، وبدأ بناء الهيكل في القدس. لكن بعد وفاة ابنه سليمان عليه السلام، انقسمت المملكة إلى مملكتين: إسرائيل في الشمال ويهوذا في الجنوب. ومع انحرافهم عن دين الله، سلط الله عليهم الغزاة، مثل البابليين الذين دمروا الهيكل الأول وسبوا اليهود إلى بابل.

الهيكل الثاني والاحتلال الروماني

بعد عودة اليهود من السبي البابلي، تم بناء الهيكل الثاني، لكنه لم يكن بنفس عظمة الهيكل الأول. في العهد الروماني، تم تدمير الهيكل الثاني عام 70 ميلادي على يد القائد الروماني تيطس، ومنذ ذلك الحين، لم يُبنَ الهيكل مرة أخرى. ومع انتشار المسيحية، أصبحت فلسطين جزءًا من الإمبراطورية الرومانية، ثم البيزنطية.

الفتح الإسلامي وعصر الازدهار

في القرن السابع الميلادي، فتح المسلمون فلسطين بقيادة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. دخل عمر القدس وسلمه البطريرك صفرونيوس مفاتيح المدينة، وتم الاتفاق على عهد الأمان لسكانها. منذ ذلك الحين، أصبحت فلسطين جزءًا من الدولة الإسلامية، وتم بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

الحروب الصليبية والتحرير

في القرن الحادي عشر، احتل الصليبيون القدس، وأقاموا مملكة صليبية استمرت قرابة قرن من الزمان. لكن القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي استطاع تحرير القدس عام 1187 بعد معركة حطين الشهيرة. ومنذ ذلك الحين، بقيت فلسطين تحت الحكم الإسلامي حتى سقوط الدولة العثمانية في القرن العشرين.

الاحتلال البريطاني والنكبة

في عام 1917، دخلت القوات البريطانية فلسطين، وتم إصدار وعد بلفور الذي وعد بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. هذا الوعد كان بداية النكبة للشعب الفلسطيني. في عام 1948، تم إعلان دولة إسرائيل، وتم تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم. ومنذ ذلك الحين، مازالت فلسطين تحت الاحتلال، ومازال المسجد الأقصى يعاني من التهديدات والمحاولات لتقسيمه أو السيطرة عليه.

لماذا كل هذا الصراع؟

فلسطين ليست مجرد أرض، بل هي رمز للإيمان والصراع بين الحق والباطل. بالنسبة للمسلمين، هي أرض الإسراء والمعراج، حيث صلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في المسجد الأقصى. ولليهود، هي أرض الميعاد التي وعدوا بها في كتبهم. وللمسيحيين، هي أرض ميلاد المسيح عليه السلام. هذا التداخل الديني جعل فلسطين محط أنظار العالم.

المسجد الأقصى وهيكل سليمان



هناك جدل كبير حول وجود هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى. اليهود يعتقدون أن الهيكل كان موجودًا في نفس مكان المسجد الأقصى، ويحاولون إثبات ذلك من خلال الحفريات الأثرية. لكن المسلمين يؤمنون بأن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع على الأرض بعد المسجد الحرام، وأنه لا يوجد دليل قاطع على وجود الهيكل في هذا المكان.

الخاتمة: فلسطين في قلوبنا

فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية إنسانية ودينية. تاريخها الطويل يعلمنا أن الصراع على هذه الأرض لن ينتهي بسهولة، لكنه أيضًا يذكرنا بأن الحق دائمًا ينتصر في النهاية. فلسطين ستظل رمزًا للصمود والإيمان، وسيبقى المسجد الأقصى شاهدًا على عظمة الإسلام وتاريخه.

تعليقات

عدد التعليقات : 0