عالم الجينات المدهش الذي يكشف لنا التشابه الكبير بين البشر والكائنات الأخرى. هل تعلم أن البشر يتشاركون مع الشمبانزي بنسبة 88% من الجينات؟ وأننا نتشابه مع الأبقار بنسبة 80%، وحتى مع ذباب الفاكهة بنسبة 60%؟ هذا التشابه يعود إلى الجينات، تلك القطع الصغيرة من الحمض النووي الريبي منزوع الأكسجين (DNA)، التي تحمل الشفرات الوراثية التي تحدد صفاتنا ووظائفنا البيولوجية.
الجينات هي أجزاء صغيرة من الحمض النووي (DNA) تحتوي على شفرة لبروتينات معينة تعمل في خلايا الجسم، أو شفرة لجزيئات الحمض النووي الريبي (RNA). هذه الجينات موجودة داخل الكروموسومات، وهي هياكل داخل الخلايا تحمل المعلومات الوراثية للكائن الحي. إذا قمنا بفرد الحمض النووي الموجود في جسم الإنسان، فسيكون طوله كافياً للوصول إلى الشمس والعودة أكثر من 600 مرة!
التشابه الجيني بين البشر والكائنات الأخرى مثل الأبقار يعود إلى عدة أسباب:
الأصل المشترك: البشر والأبقار يشتركون في أصول تطورية تعود إلى ملايين السنين. هذه الأصول المشتركة تعني أن الجينات الأساسية التي تطورت في تلك الفترة لا تزال موجودة في كلا النوعين.
الحفاظ على الجينات الأساسية: بعض الجينات تلعب دوراً أساسياً في وظائف الحياة مثل تكوين الخلايا والتمثيل الغذائي والتكاثر. هذه الجينات تبقى محفوظة بين الأنواع لأن التغيرات فيها قد تؤدي إلى عواقب سلبية.
الوظائف البيولوجية المشتركة: البشر والأبقار ينتميان إلى مجموعة الثدييات، مما يعني أن لديهم العديد من الخصائص البيولوجية المشتركة مثل الهيكل العظمي ونظام الدورة الدموية.
الهندسة الوراثية
علماء الوراثة اكتشفوا طرقاً لتعديل الجينات، حيث يمكن نقل جين من بكتيريا إلى نبات أو حيوان، مما يجعل الكائن الجديد يقرأ الجين ويُنتج البروتين الخاص بالبكتيريا. هذه التقنية ساعدت في تطوير محاصيل مقاومة للحشرات، وإنتاج فواكه مثل الطماطم التي لا تفسد بسرعة، والموز بدون بذور، وحتى إنتاج الأنسولين من البكتيريا.
اكتشاف الجينات
يعود الفضل في اكتشاف الجينات إلى العالم غريغور ماندل، الذي أجرى تجاربه على نبات البازلاء في القرن التاسع عشر. من خلال تجاربه، استنتج ماندل قوانين الوراثة الثلاثة:
قانون الانفصال: كل صفة وراثية يتم تحديدها بواسطة زوج من الجينات التي تنفصل عشوائياً أثناء تكوين الأمشاج.
قانون التوزيع المستقل: الجينات التي تحمل صفات مختلفة تنتقل إلى الأجيال التالية بشكل مستقل عن بعضها البعض.
قانون السيادة: في زوج من الجينات المتناقضة، يظهر الجين السائد على الجين المتنحي.
كيف تتحدد الصفات الوراثية؟
لون العيون، على سبيل المثال، يتحدد بواسطة الجينات التي يرثها الفرد من والديه. الجين المسؤول عن العيون البنية هو جين سائد، بينما الجين المسؤول عن العيون الزرقاء هو جين متنحي. لذلك، إذا كان أحد الوالدين يحمل الجين السائد للعيون البنية، فمن المرجح أن يكون لون عيون الطفل بنياً.
الأمراض الوراثية
بعض الأمراض تنتقل عبر الجينات، مثل التليف الكيسي، متلازمة داون، ومرض هنتنغتون. هذه الأمراض تحدث بسبب طفرات في الجينات أو الكروموسومات. من المهم للأزواج الذين لديهم تاريخ عائلي من الأمراض الوراثية استشارة أخصائيي الوراثة قبل الإنجاب لتقييم المخاطر واتخاذ قرارات مستنيرة.
التكنولوجيا الحديثة في علم الوراثة
أصبحت تقنيات مثل التلقيح الاصطناعي مع الفحص الجيني قبل الزرع (PGT) متاحة لتجنب انتقال الأمراض الوراثية إلى الأجيال القادمة. هذه التقنية تسمح بفحص الأجنة قبل زرعها في الرحم، مما يزيد من فرص إنجاب أطفال أصحاء.
الجينات والسمنة
تلعب الجينات دوراً في تحديد الوزن، حيث يمكن أن تؤثر الجينات على كيفية تخزين الجسم للدهون وكيفية حرق الطاقة. ومع ذلك، البيئة ونمط الحياة أيضاً لهما تأثير كبير. لذلك، حتى لو كانت الجينات تزيد من احتمالية السمنة، فإن التغذية السليمة والتمارين الرياضية يمكن أن تساعد في التحكم في الوزن.
تجارب غريبة في علم الوراثة
من التجارب المثيرة في علم الوراثة إنشاء قطط مضيئة في الظلام عن طريق إدخال جين بروتين الفلورسنت الأخضر (GFP) المأخوذ من قنديل البحر إلى الحمض النووي للقطط. هذه التجارب تساعد العلماء في دراسة كيفية انتقال الجينات وتأثيرها على الكائنات الحية.
علم الوراثة هو مجال مذهل يكشف لنا أسرار الحياة وكيفية انتقال الصفات من جيل إلى آخر. من خلال فهمنا للجينات، يمكننا تحسين صحتنا وتطوير تقنيات جديدة لعلاج الأمراض. نأمل أن تكون هذه الحلقة قد أعطتكم نظرة أعمق على عالم الجينات وأهميتها في حياتنا.