أعماق مجهولة: 90% من الحياة البحرية لا تزال طيّ الأسرار

محور الحيث
المؤلف محور الحيث
تاريخ النشر
آخر تحديث

 المحيطات: عالم غامض تحت السطح 🌊

تغطي المحيطات أكثر من 70% من سطح كوكب الأرض، مما يجعلها أكبر نظام بيئي على وجه الكوكب. ومع ذلك، فإن ما نعرفه عن هذه المحيطات لا يتجاوز نسبة صغيرة جدًا من حقيقتها. وفقًا للعلماء، لم يتم استكشاف سوى حوالي 5% من مساحة المحيطات حتى الآن. هذا يعني أن حوالي 95% من أعماق البحار لا تزال غير مستكشفة، وأن 90% من الحياة البحرية لم يتم اكتشافها أو دراستها بعد. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب التي تجعل المحيطات مليئة بالأسرار، وما الذي يمكن أن نتعلمه من استكشاف هذه العوالم الغامضة.



لماذا نحن نجهل الكثير عن المحيطات؟

1. التحديات التقنية

أحد أبرز الأسباب التي تجعلنا نجهل الكثير عن أعماق البحار هو التحدي التقني الكبير المرتبط باستكشافها. الضغط الهائل في أعماق المحيطات يصل إلى مستويات لا يمكن تحملها إلا بأجهزة متخصصة ومكلفة للغاية. على سبيل المثال، عند عمق 10,000 متر (حوالي 36,000 قدم)، يكون الضغط أعلى بآلاف المرات من الضغط الجوي على سطح الأرض. هذا يجعل تصميم المركبات الغاطسة والروبوتات القادرة على العمل في مثل هذه البيئات مهمة شديدة التعقيد.

2. التكلفة المالية

استكشاف المحيطات يتطلب استثمارات ضخمة. بناء السفن البحثية، تطوير تقنيات الغوص العميقة، وإرسال فرق علمية إلى أماكن بعيدة ومجهولة يحتاج إلى ميزانيات كبيرة. ومعظم الحكومات والمؤسسات العلمية تعطي الأولوية للاستكشاف الفضائي على حساب استكشاف المحيطات، رغم أن المحيطات قد تكون مليئة بالمفاجآت التي قد تغير حياتنا.

3. الظروف البيئية القاسية

أعماق المحيطات ليست فقط ذات ضغط هائل، بل إنها أيضًا معتمة تمامًا بسبب غياب أشعة الشمس. بالإضافة إلى ذلك، درجات الحرارة هناك منخفضة للغاية، وقد تصل إلى ما دون الصفر المئوي. هذه الظروف القاسية تجعل من الصعب على البشر أو حتى الروبوتات العمل لفترات طويلة.

4. التنوع البيولوجي المعقد

الحياة البحرية تتميز بتنوع هائل وغير مسبوق. هناك ملايين الأنواع التي لم يتم اكتشافها بعد، والعديد منها يعيش في بيئات متطرفة مثل المنحدرات المائية الحرارية (Hydrothermal Vents) أو الأعماق المظلمة. هذا التنوع يجعل من الصعب تصنيف الأنواع الجديدة أو فهم كيفية تفاعلها مع بيئتها.


ما الذي نعرفه حتى الآن؟


على الرغم من أننا لم نكتشف سوى جزء صغير من الحياة البحرية، إلا أن ما تم اكتشافه حتى الآن كان مذهلاً. إليك بعض الأمثلة:


1. المنحدرات المائية الحرارية (Hydrothermal Vents)

في عام 1977، اكتشف العلماء لأول مرة المنحدرات المائية الحرارية في قاع المحيط الهادئ. هذه المنحدرات هي شقوق في قاع المحيط تنبعث منها مياه ساخنة جدًا تحتوي على مواد كيميائية غنية. وعلى الرغم من الظروف القاسية، وجد العلماء أن هناك حياة مزدهرة حول هذه المنحدرات، بما في ذلك أنواع جديدة من البكتيريا والرخويات والأسماك.

2. الكائنات الحيوية المتوهجة (Bioluminescence)

بعض الكائنات البحرية لديها القدرة على إنتاج الضوء بنفسها، وهي ظاهرة تُعرف باسم "التوهج الحيوي". هذه الظاهرة شائعة في أعماق البحار حيث لا يصل إليها ضوء الشمس. الأسماك مثل سمك الفانوس (Lanternfish) والأخطبوطات الصغيرة تستخدم هذه الخاصية للتواصل أو لجذب الفريسة أو حتى للتخفي من الحيوانات المفترسة.

3. الكائنات العملاقة

اكتشف العلماء العديد من الكائنات العملاقة في أعماق البحار، مثل الأخطبوط العملاق (Giant Squid) وسمكة الشمس العملاقة (Ocean Sunfish). هذه الكائنات غالبًا ما تكون أكبر بكثير من أقربائها التي تعيش في المياه الضحلة.


لماذا يجب أن نهتم باستكشاف المحيطات؟

1. اكتشاف علاجات طبية جديدة

الكائنات البحرية تحتوي على مركبات كيميائية فريدة يمكن أن تكون أساسًا لعلاجات طبية جديدة. على سبيل المثال، تم اكتشاف مركبات مضادة للسرطان في الإسفنج البحري وبعض أنواع الشعاب المرجانية.

2. فهم تغير المناخ

المحيطات تلعب دورًا حيويًا في تنظيم مناخ الأرض. فهي تمتص ثاني أكسيد الكربون وتساعد في تقليل آثار الاحتباس الحراري. فهم كيفية عمل المحيطات يمكن أن يساعدنا في مواجهة تحديات تغير المناخ.

3. حماية التنوع البيولوجي

التنوع البيولوجي في المحيطات ضخم وغير مفهوم بشكل كامل. حماية هذا التنوع يتطلب منا أولاً فهمه، وهو أمر لن يحدث إلا من خلال استكشاف المزيد من أعماق البحار.

4. مصادر الطاقة والمعدن

أعماق المحيطات تحتوي على موارد طبيعية قيمة مثل المعادن النادرة والغاز الطبيعي. استكشاف هذه المصادر يمكن أن يوفر حلولًا لمشاكل الطاقة العالمية.


أمثلة على الاكتشافات الحديثة

1. القرش الشبح (Ghost Shark)

في عام 2016، تم تصوير نوع جديد من أسماك القرش يُعرف باسم "القرش الشبح" لأول مرة في المحيط الهادئ. هذا النوع من أسماك القرش يعيش في أعماق تتراوح بين 2000 و3000 متر، وهو واحد من الكائنات الغريبة التي تم اكتشافها مؤخرًا.

2. الأخطبوط الزجاجي (Glass Octopus)

الأخطبوط الزجاجي هو كائن شفاف تقريبًا يعيش في أعماق البحار. تم اكتشافه لأول مرة في أوائل القرن العشرين، لكن العلماء ما زالوا يحاولون فهم سلوكه ودوره في النظام البيئي.

3. الشعاب المرجانية العميقة

في السنوات الأخيرة، تم اكتشاف شعاب مرجانية عميقة تعيش في أعماق تصل إلى 200 متر. هذه الشعاب توفر ملاذًا للكثير من الكائنات البحرية وتلعب دورًا مهمًا في النظام البيئي.


التكنولوجيا الحديثة واستكشاف المحيطات

1. المركبات الغاطسة الآلية (ROVs)

المركبات الغاطسة الآلية (Remotely Operated Vehicles) هي واحدة من أهم الأدوات المستخدمة في استكشاف أعماق البحار. هذه المركبات يمكنها الغوص إلى أعماق هائلة وجمع البيانات باستخدام الكاميرات وأجهزة الاستشعار.

2. المركبات المستقلة (AUVs)

المركبات المستقلة (Autonomous Underwater Vehicles) هي مركبات تعمل بدون تدخل بشري مباشر. يمكنها جمع بيانات حول درجة الحرارة، والضغط، والتضاريس تحت الماء.

3. التصوير ثلاثي الأبعاد

التقنيات الحديثة مثل التصوير ثلاثي الأبعاد تساعد العلماء على رسم خرائط دقيقة لأعماق البحار. هذه الخرائط تساعد في فهم التضاريس تحت الماء وكيفية تأثيرها على الحياة البحرية.


المستقبل: هل سنكتشف كل شيء؟

على الرغم من التقدم الكبير في التكنولوجيا، لا يزال أمامنا طريق طويل قبل أن نتمكن من استكشاف كل ما يحتويه المحيط. ومع ذلك، فإن الجهود الدولية مثل مشروع "Seabed 2030"، الذي يهدف إلى رسم خريطة كاملة لقاع المحيط بحلول عام 2030، تمنحنا الأمل في أن نكتشف المزيد من الأسرار المخفية.

تعليقات

عدد التعليقات : 0