صلاح بوسريف: رحلة شاعر مع الكلمة والفكر في زمن التحولات

محور الحيث
المؤلف محور الحيث
تاريخ النشر
آخر تحديث

 في عالم يعج بالتحولات الثقافية والتكنولوجية، يبرز الشاعر والناقد المغربي صلاح بوسريف كواحد من الأصوات البارزة التي تعيد النظر في مفاهيم الإبداع والنقد العربي. بوسريف، الذي وُلد في الدار البيضاء عام 1958، ليس مجرد شاعر أو ناقد، بل هو مثقف شامل يمتلك رؤية فلسفية وأدبية عميقة تسائل الحاضر وتستشرف المستقبل.

بدايات مليئة بالتحديات

قصة صلاح بوسريف مع الكلمة بدأت في ظروف لم تكن مشجعة. في منزل لم يكن يحتوي على أي كتاب، وفي ظل تعليم رسمي فاشل أدى إلى طرده من المدرسة النظامية، وجد نفسه وحيدًا أمام عالم الجهل والضياع. لكن الكتب كانت المنقذ. يقول بوسريف: "الكتب أنقذت حياتي"، ويصف لحظة اكتشافه القراءة بأنها كانت كمن عثر على ترعة ماء وهو ظمآن. بدأ يقرأ بنهم كل ما يقع بين يديه، ليؤسس بذلك لنفسه طريقًا نحو المعرفة والابتكار.

الشعر: جوهر التجربة الإنسانية

يشكل الشعر بالنسبة لبوسريف أكثر من مجرد نوع أدبي؛ إنه تعبير عن وجود الإنسان ووعيه. يعتبر أن الشعر هو أحد أقدم أشكال التعبير البشري بعد الرسم والحفر في الكهوف. في حواره مع "الجزيرة نت"، يشدد بوسريف على أن الشعر لا يزال ضرورة حيوية للبشرية حتى في زمن الحروب والأوبئة. فهو ليس مجرد كلمات تُقال، بل هو خيال وإبداع يجدد رؤيتنا للعالم ويجعل الحياة أكثر إنسانية.

تجربته الشعرية تمتد عبر عدة عقود، حيث أصدر العديد من المجموعات الشعرية مثل "فاكهة الليل" (1994)، "على إثر سماء" (1997)، وصولًا إلى "كوميديا العدم" (2022). هذه الأعمال تتميز بالتنوع والعمق، وتتناول قضايا فلسفية ووجودية تعكس تفاعله مع العالم المعاصر.

النقد العربي: الحاجة إلى مراجعات شاملة

لا يقتصر دور بوسريف على الكتابة الشعرية فقط، بل يمتد إلى النقد الأدبي. يرى أن النقد العربي بحاجة إلى إعادة النظر في مفاهيمه ومناهجه. فالنقد، كما يقول، يجب أن يكون متفاعلًا مع النصوص الجديدة التي تحمل في طياتها جرأة واختراقًا للأنساق التقليدية. ينتقد بوسريف النقد "الكفيف" الذي يعتمد على مسبقات نظرية دون أن يتفاعل مع النصوص بشكل عميق.

الشعر والفلسفة: علاقة تكاملية

في تأملاته حول العلاقة بين الشعر والفلسفة، يشير بوسريف إلى أنها علاقة تكاملية بين الروح والمادة. الشعر، كما يوضح، كان دائمًا سؤالًا فلسفيًا قبل ظهور الفلسفة نفسها. يستشهد بالملاحم الكبرى مثل "ملحمة جلجامش" التي طرحت أسئلة وجودية من خلال رؤية شعرية. بالنسبة له، الشاعر الذي لا يملك وعيًا فلسفيًا لا يستطيع تحمل ضوء الشمس، لأن عينه ستكون مطفأة وغير قادرة على الرؤية.

دور التكنولوجيا والإبداع في المستقبل

في ظل الثورة التكنولوجية والاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي، يتساءل بوسريف عن مستقبل الإبداع الثقافي. يحذر من أن التقنية قد تصبح أداة لامتصاص المعنى الإنساني إذا لم نكن واعين بتأثيراتها. ومع ذلك، يؤمن بأن الإنسان خلق ليخلق، وأن علينا أن نظل يقظين لكي لا نتحول إلى مجرد أدوات في يد الآلة.

طقوس الكتابة ومشروعه المستمر

حياة بوسريف اليومية تدور حول القراءة والكتابة والتأمل. يقضي معظم وقته في مكتبته التي تحتوي على آلاف الكتب والمراجع. يقول إنه يكتب عندما تأتيه فكرة أو قضية تستحق التأمل، ولا يعرف مسبقًا إلى أين ستؤدي به الكتابة. يصف عملية الكتابة بأنها مغامرة مليئة بالمفاجآت والاكتشافات.

إسهاماته الفكرية والثقافية

بالإضافة إلى إنتاجه الشعري والنقد، يساهم بوسريف في تعزيز الحوار الثقافي من خلال منصاته على وسائل التواصل الاجتماعي. صفحته، التي تركز على الثقافة والشعر، تجمع بين شعراء ونقاد ومفكرين من مختلف أنحاء العالم. يرى أن السوشيال ميديا أصبحت وسيلة مهمة لإخبار الجمهور باللقاءات والإصدارات الجديدة.

ختامًا

صلاح بوسريف ليس مجرد شاعر أو ناقد، بل هو صوت يعيد تشكيل المشهد الثقافي العربي. من خلال كتاباته الشعرية والنقدية، يقدم رؤى جديدة تعيد النظر في العلاقة بين الماضي والحاضر، وبين التقليد والتجديد. في زمن التحولات الكبرى، يبقى بوسريف داعيةً للإبداع والتفكير العميق، مؤكدًا أن الشعر والفكر هما الجسر الذي يربطنا بالمستقبل.


عن الكاتب:
هذا المقال مستوحى من حوار مع الشاعر والناقد المغربي صلاح بوسريف، الذي يمثل أحد أبرز الأصوات الأدبية والفكرية في العالم العربي.

تعليقات

عدد التعليقات : 0