لوقت هو السر الكبير الذي يحيط بكل شيء في حياتنا، ذلك المفهوم الذي لا يمكن الإمساك به أو إيقافه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم". هذا الحديث الشريف يعيدنا إلى الأصل الرباني للزمن، حيث يُعتبر التقويم القمري الأساس الصحيح لحساب الشهور والسنين كما علمه الله للبشرية منذ البداية.
الزمن في القرآن الكريم
في القرآن الكريم، تتجلى معجزات الزمن والزمن الدائري في آيات محكمات، فعندما يقول الله تعالى: "هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب" ، فإنه يوضح لنا أن حساب الزمن يعتمد على سير القمر ومنازله، وليس على دوران الأرض حول الشمس كما يدّعي البعض. هذه الآية الكريمة تؤكد على أهمية التقويم القمري في الإسلام، وهو التقويم الذي يستخدمه المسلمون حتى اليوم.
تقديم الفكرة المركزية: التقويم في التاريخ الإنساني
التقويم ليس مجرد أداة لقياس الوقت، بل هو نظام معرفي عميق يعكس حضارات وأديان العالم. بدأ التقويم عند البشر باستخدام الشمس والقمر والنجوم كأدوات أساسية، لكن كل حضارة طورت نظامها الخاص بناءً على اعتقاداتها وثقافتها. المصريون القدماء، على سبيل المثال، كانوا أول من قام بتطوير تقويماً شمسياً مقسماً إلى 12 شهراً، كل شهر فيه 30 يوماً، مع إضافة خمسة أيام إضافية في نهاية السنة ليصبح طول السنة 365 يوماً. أما الرومان، فقد وضعوا تقويماً مختلفاً كان عرضة للتلاعب السياسي والعقائدي، مما أدى إلى اختلالات كبيرة في تواريخ الأحداث التاريخية.
التقويم الروماني وتلاعباته التاريخية
التقويم الروماني، الذي يعتبر الأساس لتقويمنا الحالي، لم يكن دقيقاً منذ بدايته. فقد قام مؤسس روما الأسطوري رومولوس بوضع تقويماً يتكون من عشرة أشهر فقط، وكان الشهر الأول هو مارس بدلاً من يناير. ومع مرور الزمن، تم تعديل هذا التقويم وتوسيعه ليشمل 12 شهراً، لكنه ظل غير دقيق بسبب عدم اعتماده على حركة القمر بشكل صحيح. في القرن السابع قبل الميلاد، قام الملك نوما بومبيليوس بتصحيح بعض الأخطاء بإضافة شهرين جديدين، لكن هذا التصحيح لم يكن كافياً لإصلاح الخلل المتراكم.
في عام 46 قبل الميلاد، قام يوليوس قيصر بإصلاح كبير على التقويم الروماني بمساعدة الفلكي الإسكندراني سوزجينوس. قاموا باعتماد التقويم الشمسي بدلاً من القمري، وجعلوا السنة 365 يوماً وربع، مع إضافة سنة كبيسة كل أربع سنوات. ومع ذلك، فإن التقويم الجديد لم يكن بمنأى عن التلاعب السياسي، حيث تم تعديل أسماء الأشهر وعدد الأيام فيها لتناسب مصالح الحكام والملوك. على سبيل المثال، تم زيادة عدد أيام شهر أغسطس (الذي سمي نسبة إلى الإمبراطور الروماني أغسطس) على حساب شهر فبراير، مما أدى إلى تشويه النظام الزمني الأصلي.
التقويم الإسلامي: الزمن في الإسلام
على الجانب الآخر، يبرز التقويم الإسلامي كمعجزة زمنية وفقاً للحديث النبوي الشريف: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض". التقويم الهجري، الذي يعتمد على السنة القمرية المكونة من 354 يوماً، يعكس الدورة الكاملة للزمن كما أرادها الله منذ البداية. هذا التقويم يتميز بأنه يقوم على الأهلة (منازل القمر)، وهو ما يجعل الشهور الإسلامية تتنقل بين فصول السنة المختلفة، مما يضفي عليه بعداً روحياً وعلمياً فريداً.
الأشهر القمرية في التقويم الإسلامي تحمل أسماء ذات دلالات تاريخية ودينية عميقة. على سبيل المثال، شهر محرم يُعتبر من الأشهر الحرم التي يُمنع فيها القتال، بينما شهر رمضان هو شهر الصيام والتقرب إلى الله. هذه الأسماء ليست مجرد رموز، بل هي انعكاس لثقافة العرب قبل الإسلام وبعده، وهي أيضًا جزء من التعاليم الإلهية التي تهدف إلى تنظيم حياة الإنسان وعباداته.
التقويمات الأخرى: الصينيون والمصريون والعبرانيون
لم يقتصر استخدام التقويمات على الحضارتين الإسلامية والرومانية فقط، بل كان لكل حضارة نظامها الخاص. الصينيون، على سبيل المثال، اعتمدوا تقويماً قديماً يمزج بين السنة الشمسية والقمرية، حيث يتم تصحيح الفرق بينهما بإضافة شهر إضافي كل بضع سنوات. أما المصريون القدماء، فقد استخدموا تقويماً شمسياً متطوراً يعتمد على ظهور نجم سايروس (سيريوس) كمؤشر لبدء السنة الجديدة. من جانب آخر، اعتمد اليهود التقويم العبري الذي يمزج بين السنة الشمسية والقمرية أيضاً، ويتميز بحساب السنوات بناءً على فترة الخليقة كما وردت في التوراة.
زمن الطوفان وما بعده: ضياع العلم ومعرفة الحقيقة
بعد الطوفان العظيم الذي ذكره الله في القرآن الكريم، ضاع الكثير من العلوم الأولى التي كانت موجودة في العهد الأول للبشر. أصبحت تلك الفترة تُعرف علمياً بـ"التاريخ المجهول" أو "التاريخ العميق"، حيث لم يتمكن البشر من استعادة كامل المعرفة التي كانت متاحة قبل الطوفان. الهرم الأكبر في الجيزة هو أحد الأمثلة الواضحة على هذا العلم الضائع، حيث يظل الغموض يحيط بطريقة بنائه ودقة هندسته.
تحليل تقديس الشمس ودورها في التقويمات المحرفة
إذا نظرنا إلى التاريخ الحديث، سنجد أن تقديس الشمس أصبح جزءاً لا يتجزأ من التقويمات المحرفة مثل التقويم الميلادي. هذا التقديس يعود إلى أصول وثنية قديمة، حيث كانت معظم الحضارات القديمة تعبد الشمس وتعتبرها مركزاً للنظام الكوني. في العصر الحديث، تم استغلال هذا التقديس تحت غطاء العلم، حيث أصبحت الشمس مركزاً لنظام شمسي مزعوم، وتم تصوير الأرض وكأنها مجرد نقطة صغيرة تائهة في الفضاء.
هذا التشويه يعكس خططاً أكبر تهدف إلى تغيير خلق الله وإبعاد البشر عن الإيمان بالخالق. كما قال الله تعالى: "ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم" . لذلك، يجب على المسلمين أن يعودوا إلى كتاب الله وسنة نبيه، وأن يتجنبوا الانجراف وراء التقويمات المحرفة التي تهدف إلى تشويه الحقائق الدينية والعلمية.
خاتمة: التوبة إلى الله والتمسك بالحق
نحن نعيش في زمن خطير مليء بالتلاعب والتضليل. لذلك، يجب على المؤمنين أن يتوبوا إلى الله وأن يمسكوا بكتابه وسنة نبيه. فالزمن ليس مجرد أداة لقياس الأيام والسنوات، بل هو رسالة ربانية تحمل في طياتها معاني عميقة عن خلق الله ورحمته. كما قال الله تعالى: "ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم" . فلا بد أن نحافظ على الزمن الذي وهبه الله لنا، وأن نستخدمه في الطاعات والقربات، بعيداً عن التلاعب والتحريف.