قصة الإخوة بربروس: أبطال البحار

محور الحيث
المؤلف محور الحيث
تاريخ النشر
آخر تحديث

 في قلب الأحداث التي شهدتها البحار والمحيطات، كان هناك رجال بسطاء بدأوا كتجار ينقلون البضائع عبر البحر من المدن القريبة من جزيرتهم، لكنهم تحولوا إلى قادة أساطيل بحرية لأعظم الدول الإسلامية، الدولة المملوكية والدولة العثمانية. هؤلاء الرجال هم الإخوة المعروفين باسم "الإخوة بربروس"، الذين سجلت أسماؤهم بأحرف من ذهب في سجل البطولات الإسلامية.

نشأة الإخوة بربروس

بدأت قصة الإخوة بربروس مع أبيهم، يعقوب بن يوسف التركي، أحد الجنود العثمانيين الذين تم إرسالهم لإقامة حامية عسكرية في جزيرة ميديلي (المعروفة اليوم بجزيرة ميديل) بعد فتحها على يد السلطان العثماني محمد الفاتح. تزوج يعقوب من امرأة أندلسية هربت إلى الجزيرة بعد دخول الإسبان الأندلس، وخلف منها أربعة أبناء: أسحاق، عروج، خضر، والياس.

كان عروج هو الأخ الذي لفت أنظار الأوروبيين إليه بسبب عداوته الشديدة لهم، فأطلقوا عليه لقب "بربروس" الذي يعني باللغة الإيطالية "اللحية الحمراء". وبعد استشهاد عروج، ورث خضر هذا اللقب وأصبح يعرف باسم "خير الدين بربروس".

بداية الرحلة

بدأ الإخوة حياتهم كتجار بسطاء يعملون في نقل البضائع عبر البحر. ولكن مع مرور الوقت، قرر عروج أن يسافر إلى طرابلس الشام (لبنان حاليًا)، وهناك تعرض لهجوم من قبل فرسان جزيرة رودوس، الذين كانوا قوة صليبية معروفة. خلال هذه المعركة، فقد عروج أخيه الصغير الياس وعددًا كبيرًا من البحارة، وتم أسره وتعذيبه.

الجهاد البحري

بعد نجاته من الأسر، قرر عروج أن يكرس حياته للجهاد ضد القوى الصليبية. انضم إلى القوات المملوكية تحت قيادة السلطان الغوري، حيث أصبح قائدًا للأسطول البحري المملوكي. ومع ذلك، تعرض لهزيمة كبيرة على يد فرسان رودوس، مما جعله يعيد تنظيم صفوفه ويبدأ رحلته الجهادية من جديد.

استعاد عروج قوته تدريجيًا من خلال غاراته على السفن الصليبية. وخلال هذه الفترة، انضم إليه أخوه خضر، الذي أصبح شريكًا له في الجهاد. بدأت الإخوة بربروس في السيطرة على عدد كبير من السفن والموانئ، مما جعلهم قوة بحرية لا يستهان بها.

تحرير المسلمين في الأندلس

ركز الإخوة بربروس جهودهم على إنقاذ المسلمين في الأندلس من بطش الإسبان. قاموا بحملات متعددة على السواحل الإسبانية، أنقذوا خلالها آلاف المسلمين ونقلوهم إلى أماكن آمنة مثل تونس والجزائر. وصل عدد المسلمين الذين أنقذوهم إلى حوالي 70 ألف شخص.

السيطرة على الجزائر

في عام 1516، استجاب عروج لطلب سكان مدينة الجزائر الذين كانوا يعانون من قمع الإسبان. توجه إلى الجزائر وتمكن من طرد الإسبان ورفع رايته فيها، ليعلن نفسه حاكمًا للمدينة. ومع ذلك، واجه عروج خيانة من بعض السكان المحليين الذين تحالفوا مع الإسبان ضده. في النهاية، استشهد عروج في معركة ضد القوات الإسبانية في محاولة لحماية الجزائر.

خير الدين بربروس

بعد استشهاد عروج، تولى خضر القيادة وأصبح يعرف باسم "خير الدين بربروس". واصل خير الدين الجهاد ضد القوى الصليبية، وتوسع في سيطرته على مدن شمال إفريقيا مثل تلمسان وتونس. وفي عام 1519، دخلت الجزائر رسميًا تحت الحكم العثماني، ليصبح خير الدين أميرًا عليها.

قاد خير الدين العديد من المعارك البحرية ضد القوات الصليبية، وكان أبرزها معركة بروزة في عام 1538، حيث هزم تحالفًا صليبيًا ضخمًا بقيادة الأميرال أندريا دوريا. كانت هذه المعركة نقطة تحول في تاريخ القوى البحرية الإسلامية، حيث أثبت خير الدين أنه القائد البحري الأعظم في العالم.

إرث خير الدين بربروس

واصل خير الدين بربروس جهاده حتى تقاعده في عام 1545. كتب مذكراته التي تضمنت تفاصيل مسيرته الجهادية وانتصاراته العظيمة. توفي خير الدين في عام 1546 عن عمر يناهز 76 عامًا، ودُفن في إسطنبول، حيث شيّد له الأتراك نصبًا تذكاريًا تخليدًا لذكراه.

ختام القصة

كانت قصة الإخوة بربروس قصة بطولة وإصرار على رفع كلمة الله ونصرة المسلمين. رغم التحديات والخيانات، استطاعوا أن يغيروا مجرى التاريخ وأن يسجلوا اسمائهم كأبطال بحريين لا يُنسون. تظل قصتهم مصدر إلهام لكل من يسعى لتحقيق العدل والحرية في وجه الطغيان.

تعليقات

عدد التعليقات : 0