قال لي قائد قطاع الدوريات: "يخافون منك أكثر مما يخافون مني!"، وكنت أستغرب السؤال "من إيش؟" فأجابني قائلاً: "يخافون أنك تلاحظ عليهم شيء ما كانوا منتبهين له". لا أستطيع إلا أن أقول: "إنه شيء طبيعي بالنسبة لي." أنا فلاح منسي سعيد الشراري، قصّاص الأثر. ومن خلال عملي في تتبع الآثار، اكتسبت القدرة على كشف خفايا كانت مخفية عن المحققين.
عندما أقتفي الأثر، أتمكن من توجيه المحققين إلى أشياء كانوا يجهلونها، بل وأحيانًا أكتشف تلميحات مهمة تكشف الحقيقة. مثلا، كثير من المهربين الذين يدخلون الأراضي السعودية ويخفون المخدرات في أجسامهم أو سيارتهم، أستطيع تمييزهم من طريقة مشيتهم. هناك من يختارون لبس أحذية نسائية، لكن مشيتهم ليست كخطوات النساء. هذه التفاصيل تفتح لي أبوابًا جديدة لفهم الشخص الذي ترك الأثر.
واحدة من أساليب المهربين هي استخدام الإسفنج والليات في تضليل الأثر، لكن مهما حاولوا تغيير مسار خطواتهم، يبقى الإنسان عاجلاً أم آجلاً هو من يكشف نفسه. لماذا؟ لأننا، كأشخاص، نملك شعورًا بالأمانة، وهذا هو أساس عملي. لا أحب أن أظلم أحدًا أو أتجاوز حدودي في البحث، وإذا نصحت أحدًا فهو على مصلحتي، حتى وإن كان في مكان لم أكن أتوقع أن أجد نفسي فيه.
ومن قصص عملي، أذكر حادثة سرقة. كان هناك شخص قد سرق مبلغًا من شخص آخر مسن، ولكن بعد تفتيش دقيق وجدنا دلالة واضحة على الجاني عبر الأثر الموجود في المكان. كانت هذه فرصة لي لنعرف كيف أن الحقيقة دائمًا تكون واضحة، حتى عندما يحاول البعض التلاعب.
وفي إحدى القضايا الأكثر تأثيرًا، قمت بتقصّي أثر جريمة قتل. كان الدم مرشوشًا في كل مكان، لكن الآثر كانت الأدلة الواضحة التي أظهرت القاتل الحقيقي، وقد اعترف بعد أن شاهدنا أثره على المكان.
الأثر هو كل شيء بالنسبة لي. وبالنسبة لي، لا توجد جريمة مهما كانت كبيرة أو صغيرة، ولا يحدث خطأ أو ظلم يجب السكوت عنه. فالعامل الأول في نجاحي هو عدم التغاضي عن الحق، مهما كان الشخص المعني.
هذه ليست مجرد وظيفة بالنسبة لي، بل هي رسالة. أؤمن أن الإنسان يجب أن يسعى دائمًا للحفاظ على الأمانة والعدل، فلا يغض الطرف عن الظلم مهما كان السبب. "من الظلم ما يحدث في الظلام، لكن في النهاية كل أثر يفضح من حاول إخفاء الحقيقة".