الملكة زنوبيا | أسطورة أم حقيقة !

محور الحيث
المؤلف محور الحيث
تاريخ النشر
آخر تحديث

 

زنوبيا: ملكة تدمر بين الأسطورة والتاريخ  



في قلب الشام، حيث تزدهر الحضارات وتتصارع الممالك، ظهرت مملكة تدمر كواحدة من أبرز الممالك العربية التي تركت بصمة لا تُنسى في صفحات التاريخ. كانت تدمر مدينة تجارية مزدهرة، تقع على بعد 215 كيلومترًا من دمشق، وتعتبر محطة استراحة للقوافل التجارية القادمة من شرق آسيا وأفريقيا والمتجهة إلى أوروبا. بفضل موقعها الاستراتيجي، تحولت تدمر إلى مركز تجاري وثقافي مهم، حيث كانت تُجرى فيها عمليات بيع وشراء ومقايضة بين التجار من مختلف أنحاء العالم.

الملك عمرو وحلم التوسع

كان الملك عمرو، ملك تدمر، من نسل العماليق، وهم قبيلة عربية عريقة كانت تسكن مناطق مثل الحجاز وتدمر وفلسطين. بعد أن ازدهرت تدمر بفضل التجارة، لم يكتفِ عمرو بحكم المدينة فقط، بل وسع نفوذه ليشمل بادية الشام ووصلت حدود مملكته إلى نهر الفرات. هذا التوسع جعل مملكة تدمر تلامس مملكة تنوخ، وهي مملكة عربية أخرى قوية كانت تسيطر على سواد العراق وإقليم البحرين.

الصراع مع مملكة تنوخ

كان ملك تنوخ، جذيمة الأبرش، رجلاً قويًا ومحاربًا شرسًا. عندما وصلت إليه أخبار توسع مملكة تدمر، شعر بالخطر على مملكته، فجهز جيشًا كبيرًا وخرج لمواجهة عمرو. دارت بين الملكين معركة شرسة انتهت بانتصار جذيمة الأبرش وقتل الملك عمرو. بعد هذه الهزيمة، عاد جذيمة إلى مملكته، تاركًا تدمر في حالة من الفوضى.

صعود الزباء

بعد مقتل الملك عمرو، تولت الحكم ابنته الزباء، التي كانت تُعرف أيضًا باسم نائلة بنت عمر بن الضارب العميقي. كانت الزباء امرأة قوية وذكية، وقد قررت منذ اللحظة الأولى أن تثأر لوالدها. قامت بجمع قادة الجيوش وأمرتهم بإعداد جيش ضخم لغزو مملكة تنوخ. ومع ذلك، نصحتها أختها زينب بعدم الانجرار إلى حرب قد لا تنتهي، واقترحت عليها استخدام الحيلة بدلاً من القوة.

الخدعة الكبرى

قامت الزباء بإرسال رسالة إلى جذيمة الأبرش تطلب فيها الزواج منه، مدعية أنها تريد أن توحد الممالك العربية تحت حكمه. وافقت الرسالة على طموحات جذيمة، فقرر الذهاب إلى تدمر دون استشارة مستشاريه، رغم تحذيرات صديقه المقرب قصير، الذي كان يشك في نوايا الزباء.

عندما وصل جذيمة إلى تدمر، استقبلته الزباء بحفاوة، ولكنها سرعان ما كشفت عن نواياها الحقيقية. قامت بإسقاطه في فخ وقطع شرايينه، مما أدى إلى موته بطريقة مروعة. بعد ذلك، أعلنت الزباء نفسها ملكة على تدمر وبدأت في تعزيز قوتها.

قصير والثأر

بعد مقتل جذيمة، قرر قصير، صديق جذيمة المقرب، أن يثأر لصديقه. قام بخطة محكمة حيث تظاهر بالولاء للزباء، واستطاع كسب ثقتها بمرور الوقت. بعد سنوات من الخداع، تمكن قصير من إقناع الزباء بإرسال قافلة إلى العراق لجلب المزيد من الثروات. ولكن هذه القافلة كانت تحمل في طياتها جنودًا من مملكة تنوخ، بقيادة عمرو بن عدي، ابن أخ جذيمة.

عندما وصلت القافلة إلى تدمر، خرج الجنود من الصناديق وهاجموا القصر، مما أدى إلى سقوط الزباء. قبل أن يتمكن عمرو بن عدي من قتلها، قامت الزباء بشرب السم الذي كانت تخزنه في خاتمها، لتموت منتحرة بدلاً من أن تقع في أيدي أعدائها.

زنوبيا بين الحقيقة والخيال



تظل قصة زنوبيا، أو الزباء، واحدة من أكثر القصص إثارة للجدل في التاريخ. بينما تؤكد المصادر التاريخية العربية وجودها ودورها الكبير في مملكة تدمر، يشكك البعض في تفاصيل قصتها، خاصة تلك التي تتحدث عن استخدامها للحيل والخدع. ومع ذلك، تبقى زنوبيا شخصية تاريخية حقيقية، حيث تشهد الآثار الموجودة في تدمر وسوريا على وجودها ودورها في تاريخ المنطقة.

الخلاصة

قصة زنوبيا هي قصة قوة وذكاء وطموح، ولكنها أيضًا قصة تحذيرية عن مخاطر الحقد والثأر. سواء كانت أسطورة أو حقيقة، تبقى زنوبيا رمزًا للمرأة القوية التي استطاعت أن تحكم مملكة وتترك بصمة لا تُنسى في التاريخ.


تعليقات

عدد التعليقات : 0