تعد القضية الفلسطينية واحدة من أقدم وأعقد القضايا السياسية في العالم العربي والدولي. وعلى مر العقود، ظلت هذه القضية محور اهتمام العديد من الدول العربية والإسلامية التي أكدت دعمها المستمر للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. من بين هذه الدول، تبرز مصر وتونس كدولتين لهما تاريخ طويل من التضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث يؤكدان بشكل قاطع رفضهما لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. في هذا المقال، سنستعرض موقف مصر وتونس من القضية الفلسطينية، مع التركيز على رفضهما القاطع لفكرة التهجير، وأهمية إيجاد حلول عادلة وشاملة لهذه القضية الإنسانية.
1. دور مصر التاريخي في القضية الفلسطينية
مصر، باعتبارها دولة محورية في المنطقة العربية، لعبت دورًا بارزًا في دعم القضية الفلسطينية منذ بدايات النكبة عام 1948. وقد كانت مصر دائمًا في طليعة الدول التي ترفض سياسات الاحتلال الإسرائيلي وتطالب بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
مفاوضات السلام واتفاقية كامب ديفيد :
رغم توقيع مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل في عام 1979، إلا أن القاهرة أكدت مرارًا وتكرارًا أن هذه الاتفاقية لا تعني التخلي عن حقوق الفلسطينيين. بل على العكس، استخدمت مصر موقعها الجغرافي والاستراتيجي كوسيط أساسي في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.رفض التهجير :
في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد الحديث عن مشاريع مشبوهة مثل "صفقة القرن"، أكدت مصر رفضها القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو توطينهم خارج أراضيهم. فقد شددت القيادة المصرية على أن أي حل للقضية الفلسطينية يجب أن يكون عادلًا ومستندًا إلى القانون الدولي، بما في ذلك حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
2. الدور الإنساني المصري
على الصعيد الإنساني، ساهمت مصر بشكل كبير في تقديم الدعم للفلسطينيين، خاصة في قطاع غزة المحاصر. فمعبر رفح الحدودي كان ولا يزال شريان الحياة الوحيد للقطاع، حيث يتم عبره نقل المساعدات الطبية والإنسانية، بالإضافة إلى توفير فرص السفر للمرضى والطلاب.
- المساعدات الإنسانية :
قدمت مصر مساعدات مالية وإنسانية كبيرة لدعم الفلسطينيين في غزة، سواء من خلال الحكومة المصرية أو الجمعيات الخيرية. كما استقبلت مصر آلاف الفلسطينيين الذين هربوا من العنف والحصار في القطاع.
3. الجهود الدبلوماسية المصرية
مصر تلعب دورًا محوريًا في الوساطة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وخاصة بين حركتي فتح وحماس. وقد نجحت القاهرة في تحقيق عدة اتفاقيات للمصالحة الوطنية الفلسطينية، وهو ما يعكس التزامها بدعم وحدة الشعب الفلسطيني وتعزيز قوته في مواجهة الاحتلال.
تونس ودعم القضية الفلسطينية
تونس كحاضنة للثورة الفلسطينية
تونس تحتل مكانة خاصة في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث كانت مقرًا لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد خروجها من لبنان في عام 1982. وقد استضافت العاصمة التونسية القيادة الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، مما جعلها مركزًا رئيسيًا لتنسيق الجهود الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
- استهداف تونس :
في عام 1985، تعرضت تونس لهجوم إسرائيلي مباشر استهدف مقر منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة حمام الشط بالعاصمة. لكن هذا الهجوم لم يضعف موقف تونس الداعم للقضية الفلسطينية، بل زاد من تصميمها على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
2. رفض التهجير ودعم الحقوق الفلسطينية
مثل مصر، أكدت تونس رفضها القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. وقد أصدرت الحكومة التونسية بيانات متعددة تدين فيها المشاريع التي تستهدف توطين الفلسطينيين في دول أخرى، مؤكدة أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة.
- خطاب الرئيس التونسي :
في خطاب رسمي، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية بالنسبة للأمة العربية والإسلامية، وأن تونس لن تقبل بأي حلول مجحفة أو غير عادلة. وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني لديه الحق الكامل في أرضه وممتلكاته، وأن أي محاولة لتغيير هذا الواقع ستواجه برفض قاطع من الأمة بأسرها.
3. الدور الإنساني التونسي
على الرغم من محدودية مواردها الاقتصادية، ساهمت تونس بشكل كبير في تقديم الدعم الإنساني للفلسطينيين. فقد تم تنظيم حملات تبرعات وطنية لجمع الأموال والمساعدات لصالح الشعب الفلسطيني، خاصة في أوقات الأزمات مثل الحروب الإسرائيلية على غزة.
رفض التهجير وضرورة الحل العادل
1. مخاطر التهجير الفلسطيني
محاولات تهجير الفلسطينيين ليست جديدة، بل كانت جزءًا من سياسات الاحتلال الإسرائيلي منذ النكبة. فالتهجير يعني محو الهوية الوطنية الفلسطينية وتشتيت الشعب الفلسطيني في دول مختلفة، مما يجعل من الصعب تحقيق حلم العودة إلى أرض الوطن.
- مشاريع مشبوهة :
في السنوات الأخيرة، ظهرت مشاريع مشبوهة مثل "صفقة القرن" التي تهدف إلى توطين الفلسطينيين في دول عربية أخرى كبديل عن إقامة دولتهم المستقلة. وقد رفضت مصر وتونس هذه المشاريع بشدة، وأكدتا أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
2. أهمية الحل العادل
الحل العادل للقضية الفلسطينية يتطلب التزامًا صارمًا بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. ومن بين هذه القرارات:
- قرار التقسيم رقم 181 : الذي يدعو إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية.
- قرار حق العودة رقم 194 : الذي يؤكد حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها.
- قرار القدس رقم 478 : الذي يعتبر ضم القدس الشرقية غير شرعي.
3. الدور العربي والدولي
إلى جانب مصر وتونس، يجب أن يكون هناك تحرك عربي ودولي جاد لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق السلام العادل. وهذا يتطلب:
- وقف الاستيطان : وقف جميع أشكال الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- رفع الحصار عن غزة : إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة والسماح بحرية التنقل والتجارة.
- دعم المقاومة الشعبية : دعم الشعب الفلسطيني في مقاومته السلمية ضد الاحتلال.
الجزء الرابع: دور الإعلام والمجتمع المدني
1. دور الإعلام في تسليط الضوء على القضية
وسائل الإعلام المصرية والتونسية لعبت دورًا مهمًا في نشر الوعي حول القضية الفلسطينية وتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني. فقد تم بث تقارير وبرامج وثائقية تسلط الضوء على آثار الاحتلال والحصار على حياة الفلسطينيين.
2. المجتمع المدني
منظمات المجتمع المدني في مصر وتونس قامت بتنظيم حملات للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بما في ذلك تنظيم مسيرات ومظاهرات تطالب بإنهاء الاحتلال. كما تم إطلاق مبادرات لجمع التبرعات لدعم الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال القضية الفلسطينية تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك:
- التغيرات الإقليمية : التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل قد يؤثر على مستوى الدعم العربي للقضية الفلسطينية.
- الانقسامات الداخلية : الانقسام بين الفصائل الفلسطينية يضعف الموقف الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.
2. الأمل في الحل العادل
رغم كل التحديات، يبقى الأمل قائماً في تحقيق حل عادل للقضية الفلسطينية. وهذا يتطلب:
- وحدة الصف الفلسطيني : تحقيق المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية.
- دعم دولي : زيادة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني.
الخاتمة
تظل مصر وتونس ركيزتين أساسيتين في دعم القضية الفلسطينية، حيث يؤكدان رفضهما القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو تصفية قضيتهم. ومن خلال جهودهما الدبلوماسية والإنسانية، تسعى الدولتان إلى تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه. وفي ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية، يبقى الأمل معقودًا على وحدة الصف العربي والإسلامي لتحقيق السلام العادل وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.