في خطوة قد تكون مفصلية – أو مخيفة – في تاريخ التكنولوجيا الحيوية، أعلنت شركة أمريكية متخصصة في مجال العلوم العصبية والتكنولوجيا الحيوية أنها نجحت في زراعة أول شريحة ذاكرة قابلة للتحديث داخل دماغ إنسان.
لكن ما بدأ كحدث علمي ثوري، تحول إلى قصة مثيرة للجدل عندما انسحب أول متطوع بعد تعرضه لـ هلوسات واقعية مرعبة ، مما أثار تساؤلات عديدة حول سلامة هذه التقنية وأخلاقياتها .
الشركة والتقنية: من هي؟ وما هو المشروع؟
الشركة المعنية تُدعى NeuroLink Inc. ، وهي شركة ناشئة في سيلكون فالي تأسست على يد مجموعة من الباحثين المتخصصين في الذكاء الاصطناعي والعلوم العصبية، بالتعاون مع مهندسين من كبرى الشركات التكنولوجية.
هدف الشركة الطموح هو دمج الدماغ البشري بالتكنولوجيا الرقمية ، بهدف تعزيز الذاكرة، وعلاج الأمراض العصبية، وحتى رفع مستوى الذكاء البشري عبر تحديثات رقمية مباشرة.
وتهدف التقنية إلى زراعة شريحة دقيقة داخل القشرة الدماغية ، تتصل عبر شبكة لاسلكية بجهاز خارجي يمكن من خلاله تحديث المعلومات مباشرة إلى الدماغ، مثل تحميل مهارات جديدة أو استرجاع ذكريات بشكل أكثر وضوحًا.
التجربة الأولى: متطوع يواجه "واقعًا مشوَّهًا"
في التجربة الأولية، تم اختيار متطوع واحد فقط (تم حجب هويته لأسباب قانونية) لاختبار الشريحة تحت ظروف طبية صارمة. وبعد أسبوعين من الزرع، بدأت الأعراض الجانبية بالظهور عليه، وفق ما كشفت عنه مصادر مقربة من المشروع.
المتطوع أفاد بأنه بدأ يرى أشياء غير موجودة في الواقع ، لكنها كانت تبدو له واضحة وحقيقية تمامًا ، بما في ذلك أشخاص لا وجود لهم، وأحداث لم تحدث. ووصف ما حدث بأنه "هلوسة مستمرة، لكنها ليست كالأحلام أو الهلاوس الكلاسيكية، بل كأن الواقع نفسه قد تغيّر".وأضاف أنه كان غير قادر على التمييز بين ما هو حقيقي وغير حقيقي ، مما أدى إلى حالة نفسية حادة، دفعته إلى الانسحاب الفوري من المشروع وإلغاء كل موافقة سابقة.
ردود الفعل العلمية والمجتمعية
الخبر أثار ردود فعل واسعة في الأوساط العلمية والمجتمعية:
- العلماء المحافظون: حذروا من أن التدخل المباشر في الدماغ البشري باستخدام تكنولوجيا قابلة للتحديث يحمل مخاطر صحية وأخلاقية جسيمة .
- المؤيدون للتكنولوجيا: رأوا أن هذه الخطوة ضرورية لفهم الدماغ البشري بشكل أعمق، وقد تفتح آفاقًا جديدة لعلاج حالات مثل الزهايمر وباركنسون.
- الناشطون الحقوقيون: طالبوا بتشريعات دولية صارمة تمنع استخدام هذا النوع من التكنولوجيا دون ضوابط واضحة.
ما هي المخاطر المحتملة؟
- خلل في الإدراك البشري: تغيير طريقة تفسير الدماغ للمعلومات قد يؤدي إلى تشويه الواقع.
- الاعتماد الكامل على التكنولوجيا: فقدان القدرة على التفكير أو التذكر دون تدخل خارجي.
- الاختراق الإلكتروني: خطر اختراق الشريحة من قبل قراصنة، مما قد يؤدي إلى تلاعب بالذكريات أو السلوك.
- الآثار النفسية طويلة المدى: قد تؤدي التعديلات العصبية إلى اضطرابات نفسية لا يمكن علاجها.
مستقبل التقنية: هل نحن جاهزون لهذا النوع من التطور؟
بينما تستمر الشركات في السعي لتحقيق اختراقات في مجال التكنولوجيا الحيوية والعلاقات بين الإنسان والآلة، فإن هذا الحدث يضعنا أمام سؤال جوهري:
هل البشرية مستعدة لدمج العقل البشري بالتكنولوجيا الرقمية؟ وهل يمكننا ضمان عدم تحويل الإنسان إلى كائن قابل للتحكم والتعديل عن بُعد؟
من المؤكد أن المستقبل سيحمل لنا المزيد من هذه الاكتشافات، لكن علينا أن نوازن دائمًا بين الطموح العلمي والمسؤولية الأخلاقية .
الخلاصة
إعلان الشركة الأمريكية حول زراعة أول شريحة ذاكرة قابلة للتحديث في الدماغ البشري، يمثل قفزة كبيرة في عالم التكنولوجيا الحيوية، لكن التجارب العملية أظهرت مخاطر حقيقية تهدد الصحة العقلية والنفسية للمستخدمين.
الواقعة الأخيرة مع المتطوع الذي انسحب بعد معاناته من هلوسات واقعية مرعبة، يجب أن تكون مصدر تأمل عميق قبل المضي قدمًا في تطوير ونشر مثل هذه التقنيات، حتى لا نصبح ضحايا تقدمنا العلمي قبل أن ندرك!