في عصر التكنولوجيا الحديثة، حيث أصبحت الابتكارات الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تشهد قطاعات الاتصالات والذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي طفرات نوعية غير مسبوقة. ومن أبرز هذه الابتكارات التي بدأت بالظهور على الساحة مؤخرًا، هي "مكالمات الهولوغرام" أو ما يُعرف أيضًا بـ "مكالمات الفيديو ثلاثية الأبعاد". فبعد أن كانت فكرة الاتصال عبر صورة ثلاثية الأبعاد مجرد حلم مستقبلي نراه في أفلام الخيال العلمي، أصبحت الآن قريبة من الواقع أكثر من أي وقت مضى.
في عام 2024، تم تسجيل أولى التجارب العملية على استخدام مكالمات الهولوغرام في المؤتمرات الرسمية، مما يشير إلى دخول مرحلة جديدة من التواصل البشري عن بعد. ومع التطور المتسارع في تقنيات الإرسال والعرض الثلاثي الأبعاد، توقعت شركات الاتصالات الكبرى أن يتم إطلاق هذه التقنية تدريجيًا في الهواتف الذكية بحلول نهاية عام 2025.
هذا المقال يسلط الضوء على مفهوم مكالمات الهولوغرام، كيف تعمل، أبرز التجارب الأولى لها في المؤتمرات الرسمية، والتحديات التي تواجهها، بالإضافة إلى مستقبلها المتوقع في سوق الهواتف الذكية.
ما هي مكالمات الهولوغرام؟
تعريف مكالمات الهولوغرام
مكالمات الهولوغرام (Hologram Calls) هي نوع من الاتصال المرئي الذي يستخدم تقنية الهولوغرام لإنشاء صورة ثلاثية الأبعاد للشخص المتصل، بحيث يظهر وكأنه موجود فعليًا في الغرفة مع الشخص الآخر، رغم أنه قد يكون على بعد آلاف الكيلومترات.
على عكس مكالمات الفيديو التقليدية التي تعرض الصورة على شاشة مسطحة، فإن تقنية الهولوغرام تتيح رؤية ثلاثية الأبعاد كاملة، بما في ذلك العمق والحركة الطبيعية، مما يعزز من شعور الحضور الحقيقي للمستخدمين.
كيف تعمل تقنية الهولوغرام؟
تقنية الهولوغرام تعتمد على تسجيل وتشفير الضوء المنعكس عن الأجسام باستخدام ليزر متخصص، ثم إعادة بناء الصورة ثلاثية الأبعاد باستخدام شاشة خاصة أو وحدة عرض هولوغرافية. أما في حالة
مكالمات الهولوغرام الحديثة، فهي تعتمد على:
- كاميرات متعددة الزوايا : لالتقاط الصورة من كل الجوانب.
- تقنيات الذكاء الاصطناعي : لتحسين جودة الصورة وإعادة بناء البيانات ثلاثية الأبعاد.
- أجهزة عرض خاصة : مثل الشاشات الهولوغرافية أو النظارات الخاصة بتقنية الواقع المعزز (AR).
- شبكات إنترنت عالية السرعة : وخاصة شبكات الجيل الخامس (5G) وما بعدها، لنقل كميات ضخمة من البيانات بشكل فوري.
أولى تجارب مكالمات الهولوغرام في المؤتمرات الرسمية
مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي COP28 (2023)
في نوفمبر 2023، استخدمت دولة الإمارات العربية المتحدة تقنية الهولوغرام في مؤتمر المناخ COP28، حيث ظهر أحد الوزراء في جلسة نقاشية عبر مكالمة هولوغرام من مقر آخر، مما أعطى الجمهور شعورًا بأنه موجود فعليًا في القاعة. كانت هذه التجربة الأولى من نوعها في مؤتمر رسمي دولي كبير.
مؤتمر G7 في اليابان (2024)
في مايو 2024، تم استخدام مكالمات الهولوغرام في اجتماعات مجموعة السبع، حيث تمكن زعماء بعض الدول من المشاركة عن بعد بطريقة ثلاثية الأبعاد، دون الحاجة إلى السفر. وقد لقي هذا الاستخدام إشادة واسعة باعتباره خطوة نحو تقليل البصمة الكربونية لمؤتمرات القمة العالمية.
التجربة السعودية في مؤتمر الاتصالات العالمي ITU 2024
في سبتمبر 2024، عرضت المملكة العربية السعودية نموذجًا تجريبيًا لمكالمة هولوغرام بين مدينتين سعوديتين ضمن فعاليات مؤتمر الاتحاد الدولي للاتصالات في الرياض. واستخدمت فيه شبكة 5G مدعومة بذكاء اصطناعي لتحويل بيانات الفيديو إلى صورة ثلاثية الأبعاد مباشرة.
فوائد استخدام مكالمات الهولوغرام في المؤتمرات الرسمية
- تعزيز شعور الحضور الحقيقي : بدلًا من مشاهدة شخص على شاشة، يظهر الشخص وكأنه موجود في الغرفة.
- تقليل التكاليف والمسافات : عدم الحاجة للسفر يوفر الوقت والمال ويقلل من البصمة البيئية.
- تحسين تفاعل الاجتماعات الرسمية : من خلال تقديم لغة الجسد الكاملة والتفاعل الطبيعي.
- تحقيق الأمان والخصوصية : يمكن استخدام التشفير العالي لتوفير مكالمات آمنة وسرية.
- استقطاب الشباب والاهتمام الإعلامي : تضيف هذه التقنية بُعدًا حديثًا وجاذبًا للأنشطة الحكومية.
التطور التكنولوجي المصاحب لمكالمات الهولوغرام
الذكاء الاصطناعي والمعالجة ثلاثية الأبعاد
.jpg)
لعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في تطوير مكالمات الهولوغرام، حيث تستخدم خوارزميات AI لتحليل الصور الملتقطة من عدة زوايا، وإعادة بنائها في بيئة ثلاثية الأبعاد بشكل فوري وبدون تأخير يذكر.
شبكات الجيل الخامس (5G) والرابع فائق السرعة (4G Ultra)
البيانات اللازمة لنقل الصور ثلاثية الأبعاد ضخمة للغاية، ولذلك تحتاج إلى شبكات ذات سرعات عالية وتأخير منخفض. هنا تلعب شبكات الجيل الخامس دورًا أساسيًا في توفير البنية التحتية المناسبة.
شاشات الهولوغرام ونظارات الواقع المعزز
تتطور الشركات المصنعة للأجهزة الإلكترونية مثل سوني وسامسونج وشركة Looking Glass Factory في تصميم شاشات هولوغرامية بدون نظارات، وكذلك نظارات AR متطورة تدعم عرض الصور ثلاثية الأبعاد.
التحديات التي تواجه تبني مكالمات الهولوغرام
- التكاليف العالية : تظل الأجهزة والمعدات المستخدمة في التقاط وعرض الهولوغرام باهظة الثمن.
- البنية التحتية المطلوبة : تحتاج إلى شبكات إنترنت قوية ومستقرة، وهو ما لا يتوافر في كثير من المناطق.
- التحديات التقنية : مثل تأخر البيانات، تشويش الصورة، وعدم توافق الأجهزة المختلفة.
- الخصوصية والأمان : نقل بيانات ثلاثية الأبعاد يتطلب تشفيرًا عالي المستوى لمنع الاختراق.
- الاعتماد على البرمجيات المتقدمة : تحتاج إلى برامج خاصة لإدارة الصور والتفاعلات ثلاثية الأبعاد.
مستقبل مكالمات الهولوغرام في الهواتف الذكية
توقعات السوق
.jpg)
بحسب تقارير صادرة عن شركات مثل Ericsson وGSMA، فإن هناك تحركًا سريعًا من قبل شركات تصنيع الهواتف الذكية الكبرى مثل Apple وSamsung وXiaomi نحو دمج تقنيات الهولوغرام في الجيل القادم من الهواتف.
ومن المتوقع أن تبدأ الشركات بإطلاق هواتف ذكية مزودة بكاميرات ثلاثية الأبعاد ومخارج خاصة لربطها بشاشات هولوغرامية أو نظارات AR، وذلك بحلول نهاية عام 2025.
كيف ستكون مكالمات الهولوغرام في الهواتف الذكية؟
- كاميرا ثلاثية الأبعاد : سيتم دمج كاميرا متقدمة تلتقط البيانات العمقية للوجه والجسم.
- شاشة هولوغرام مدمجة : قد تأتي بعض الهواتف بشاشة خاصة تدعم العرض ثلاثي الأبعاد بدون نظارات.
- تطبيق مكالمات هولوغرام مدمج : مثل FaceTime أو Google Duo لكن بتجربة ثلاثية الأبعاد.
- التكامل مع نظارات AR/VR : لتحويل المكالمة إلى بيئة ثلاثية الأبعاد غامرة.
- الدعم عبر شبكات 6G المستقبلية : التي ستقدم سرعات أعلى وأمانًا أكبر.
التأثير المجتمعي والاقتصادي لمكالمات الهولوغرام
في المجال التعليمي
ستساهم مكالمات الهولوغرام في تحويل عملية التعليم عن بعد إلى تجربة أكثر تفاعلًا، حيث يمكن للمعلم أن يظهر أمام الطلاب في الفصل الدراسي افتراضيًا، مما يزيد من التركيز والمشاركة.
في المجال الطبي
يمكن للأطباء استخدام هذه التقنية في التشخيص عن بُعد أو حتى أثناء العمليات الجراحية، حيث يظهر خبير من مكان بعيد بشكل ثلاثي الأبعاد لمساعدة الفريق الطبي.
في المجال العسكري والأمني
سيتم استخدام مكالمات الهولوغرام في عمليات القيادة والتوجيه من مراكز العمليات، مما يسهل اتخاذ القرار بسرعة وبشكل أكثر واقعية.
في مجال الأعمال والمؤتمرات
ستصبح الاجتماعات التجارية أكثر فعالية، مع إمكانية حضور الموظفين والعملاء من مختلف أنحاء العالم في شكل ثلاثي الأبعاد، مما يقلل من الحاجة للسفر.
التحديات الأخلاقية والاجتماعية لمكالمات الهولوغرام
- مشكلة التمييز بين الواقع والخيال : هل سيتمكن الناس من التمييز بين الأشخاص الحقيقيين والصور الهولوغرافية؟
- التأثير على العلاقات الاجتماعية : هل ستصبح العلاقات الافتراضية أكثر شيوعًا وتقلل من التواصل المباشر؟
- التحكم في الصورة الشخصية : كيف سيتم تنظيم استخدام الصور ثلاثية الأبعاد في المكالمات؟
- الخصوصية : كيف سيتم حماية بيانات الوجه والجسم ثلاثية الأبعاد من التلاعب أو الاستغلال؟
الخاتمة
مكالمات الهولوغرام ليست مجرد اختراع تكنولوجي جديد، بل هي ثورة حقيقية في كيفية تواصل البشر فيما بينهم. أولى التجارب التي أُجريت في المؤتمرات الرسمية أظهرت مدى إمكانية تطبيق هذه التقنية في الحياة اليومية، كما أنها فتحت الطريق أمام تطويرها لتدخل في الهواتف الذكية بحلول نهاية عام 2025.
رغم التحديات التي تواجه هذه التقنية، إلا أن التطورات السريعة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والاتصالات، والعرض الرقمي، تجعل من مكالمات الهولوغرام مستقبلًا واعدًا للبشرية. وإذا تم التعامل مع التحديات الأخلاقية والتقنية بشكل مدروس، فإن هذه التقنية ستغير تمامًا مفهوم الاتصالات، وستفتح أبوابًا جديدة أمام التعليم، والصحة، والأعمال، وحتى العلاقات الإنسانية.